السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله: أود استشارتكم في كيفية التعامل مع أخي؛ الذي يبلغ من العمر22عامًا، هو شاب ليس بملتزم تمامًا، لكنه يصلي كل الفروض والحمد لله، غير أنه لا يلتزم بالذهاب إلى المسجد في كل فرض، لكن المشكلة في أنه بدأ يميل إلى الانحراف؛ فبدأ من قريب بالتدخين، وأصبح يقلد الغرب في مظهره (لبسه- شعره- ألفاظه-.. إلخ)، فما الحل معه؟!.
علمًا بأنه في قلبه خير- أحسبه كذلك- لكنه شديد العناد، ومزاجي الطبع، ولا يأتي بالشدة أبدًا، وهو مع الأسف جدلي. أفيدوني أفادكم الله، فإن والدتي مستاءة منه. وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
أختنا الفاضلة:
السلام عليكِ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكِ، ونسأل الله عز وجل أن يجعل في كلامنا الأثر، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظًا،...آمين.. ثم أما بعد:
أولا: اسمحي لي، وقبل التعرض لهذه المشكلة؛ أن أهنئكِ على هذه الروح الطيبة (اهتمامك بصلاح أخيك وهدايته لطريق الحق واستقامته على تعاليم وأخلاق الإسلام العظيم)، وهي نية صالحة قلما نجد في زماننا هذا من يستحضرها ويعمل لها، فلو انشغل كلٌ منا (بعد نفسه) بإصلاح أقرب الناس إليه، لما صار هذا حال أمة الحبيب صلى الله عليه وسلم، أسأل الله عز وجل أن يجعل هذه النية الطيبة في ميزان حسناتكِ يوم القيامة.. اللهم آمين.
ثانيًا: قرأت سؤالك باهتمام بالغ، وفهمت من كلامكِ أن محور المشكلة هو أخوكِ، الذي أوضحتِ أنه صاحب الاثنين وعشرين ربيعًا، وأنه يحافظ (ولله الحمد) أداء الصلوات الخمس (وهذا فضل كبير من الله ونعمه)، غير أنه ربما لا يؤديها كلها في المسجد، كما فهمت من سؤالك أن المشكلة الأساسية في الموضوع هي أنه بدأ يميل إلى الانحراف؛ وأنه بدأ من قريب بالتدخين، وأصبح يقلد الغرب في مظهره (لبسه- شعره- ألفاظه-.. إلخ)، ثم تتساءلين عن حل هذه المشكلة.
ثالثًا: الحق أننا أمام حالة ليست جديدة، ولا مستعصية (بإذن الله)، فغالب شبابنا هذه الأيام على هذا النحو، إلا من رحمه الله، فرزقه بأبوين متأهبين منذ نعومة أظافره لتربيته التربية النبوية الشاملة، على منهج الإسلام، فأرضعته أمه مع اللبن تعاليم وأخلاقيات الإسلام العظيم، حتى شب غلامًا فتلقفه أبوه فعلمه القرآن، أو عهد به إلى من يعلمه إياه، ممن يثق في دينه وخلقه ومتانة حفظه وسلامة نطقه، حتى إذا بلغ السابعة علمه الوضوء والصلاة وصحبه إلى المسجد ليحببه إليه، وعرفه على ربه الذي خلقه وصوره فأحسن تصويره، ورزقه نعمة السمع والبصر والكلام والإحساس، ثم عرفه على سيرة رسوله صلى الله عليه وسلم بلغة سهلة بسيطة، وبطريقة قصصية شيقة، ثم علمه كيف ينتقي أصدقاءه كما ينتقي الطيب من التمر، وهكذا.... شيئًا فشيئًا، حتى اشتد عوده على الصلاح والاستقامة.
ولأننا فرطنا في تربية أولادنا منذ الصغر (حيث تنفع التربية)، ولأننا قصرنا في توجيههم قبل ولوجهم إلى مرحلة المراهقة، ذات الخصائص والصفات، والتي تعتبر بحق ثورة تغييرية عارمة داخل النفس الإنسانية، ولأن مدارسنا (إلا من رحم الله) تخلت عن دورها الأساسي في التربية، على حساب دور لم تؤده كما ينبغي وهو التعليم، ولأن مجتمعنا (للأسف الشديد) يعلي قيمة لاعبي الكرة ونجوم السينما، ويقدمهم لشبابنا على أنهم قدوات ونجوم، بينما يبخس العلماء والفقهاء والدعاة والمربين قدرهم، ويغض الطرف عن الإشادة بهم، فقد تغرب شباب أمتنا (إلا من رحم)، وذهبوا يقلدون مس سماهم الإعلام العربي نجومًا، فاقتفوا أثرهم؛ لبسوا مثلهم وحفظوا كلماتهم وحلقوا شعورهم كحلقهم، فنشأ جيل من الشباب مغيب عن دينه، لا يعرف من الإسلام إلا اسمه، ولا يعرف عن القرآن إلا رسمه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أقول لكِ هذا- أختنا في الله- لأوضح لك أنها ليست مشكلة أخيك وحسب، بل إنها مشكل جيل من الشباب، خطط له أعداء أمتنا بليل، حتى يشب جاهلا بإسلامه، مغيبًا عن قضايا أمته، لقد أنفقوا المليارات من أجل ألا يتعرف هذا الشباب المسلم على ربه وخالقه سبحانه وتعالى، من أجل ألا يقتدوا بنبيهم وحبيبهم صلى الله عليه وسلم، من أجل أن يظلوا في غيبوبة طويلة!!.
رابعًا: أما عن مشكلة أخيك على وجه التحديد؛ فقد هداكِ اللهُ إلى الحل، عندما ألقاه على لسانكِ، وأنت تعرضين مشكلته؛ نعم.. لا تتعجبي من كلامي، فقد التقطت من سؤالكِ بعض الكلمات التي تشخص الداء وتصف الدواء في آن واحد، مثل:
1- يميل إلى الانحراف، أي أنه لم ينحرف بعد، فيسهل رده لجادة الطريق إن شاء الله.
2- بدأ من قريب بالتدخين، أي أنه لم يصبح مدمنًا بعد، فيمكن ببعض الجهد أن يقلع عنه.
3- يقلد الغرب في مظهره، أي أنه مازال في مرحلة الشكليات، وهي بشرى للحاق به.
4- في قلبه خير، فما علينا إلا أن ننقب عن هذا الخير، ونكشفه، كالسكر في قاع الكوب.
كما أنكِ أوضحتِ أنه:
1- شديد العناد: فلنتجنب إشعاره بأنه مقصر، وأنه مخطئ، وأن نستعين بالله ثم نجتهد لتليينه، بالتودد، وحسن المعاملة، وإظهار المحبة له، وعدم التركيز على أخطائه، وتسليط الضوء على سلوكياته الخاطئ، وتجنب التحدث عن مشكلاته مع الآخرين بحضوره.
2- مزاجي الطبع: هذا النوع من الطباع يحتاج إلى أن تحببه فيما تريده أن يفعل، ليصل إلى مرحلة أن يفعل ما يحب، وهذا يقتضي الإشارة (غير المباشرة) أكرر (غير المباشرة) إلى نماذج وقدوات محترمة، ليس من العلماء والدعاة وحسب بل ومن الرياضيين (إن كان يحب الرياضة) وهناك نماذج محترمة منهم في الساحة الرياضية السعودية، وكذا الفنانين التائبين (إن كان مغرمًا بالفن)، وهكذا لينتقل شيئًا فشيئًا.
3- جدلي: فأفضل الطرق للتعامل مع الشخص المجادل، هي البعد عن مناطق الجدل (المختلف فيه) وهي قليلة، والتركيز على ما عداه (المتفق عليه) وهو كثير، وشيئًا فشيئًا ننتقل من مربع إلى آخر، وكلما تحسنت العلاقة الإنسانية، وقويت الصلات الشخصية، قلت مساحة الخلاف، فالثابت أن الجدل يوغر الصدر.
وأود أن أنبهكِ إلى أن هذه الصفات (العناد، المزاجية، الجدل)، هي من خصائص هذه المرحلة العمرية التي يعيشها أخوكِ، وقد كان جميلا منكِ أن تضعي يَدَكِ على نقطة البدء في رحلة العلاج، وكلمة السر في حل المشكلة، وهي قولكِ عنه أنه لا يأتي بالشدة أبدًا، وقد صدقتِ، فإن الخبراء والمتخصصين في التربية وتقويم السلوك يؤكدون أن هذه المرحلة العمرية (16- 24) لا يصلح معها مطلقًا استخدام الشدة، وأن أفضل الطرق للتعامل معها هو استخدام أسلوب المصاحبة، وإظهار الاحترام له، والاهتمام به، ومعاملته على أنه صديق، مع البعد تمامًا عن فرض أسلوب الوصاية عليه، لأنه- حسب خصائص المرحلة- يرفض أن يشعره أحد بالنقص، أو أن يعامله على أنه ما زال صغيرًا.
خامسًا: حتى نكون قومًا عمليين؛ فإنني أستعين بالله وألخص لكِ نصيحتي، في شكل برنامج عملي، يمكن تنفيذه، على النحو التالي:
1- استعيني بالله: فأول ما يجب أن نتعلمه، أن المرء المسلم إذا واجهته مشكلة، أو ألمت به شديدة، فإن عليه أن يلجأ إلى الله عز وجل، وأن يستعين به سبحانه، فيتوضأ ويصلي ركعتين من دون الفريضة، في جوف الليل، ثم يبتهل إلى الله بعد السلام، فيرفع أكف الضراعة إليه سبحانه يطلب منه العون والغوث، واعلمي أنه على قد إخلاصكِ لله في الدعاء بالليل، فإن الله يصلحه لكِ بالنهار.
2- راجعي نفسك: لتعرفي كيف كنتِ تتعاملين معه؟، وما الذي كان يغضبه منكِ؟، ولماذا كان يُعْرِضُ عن سماع نصيحتك؟، وقرري تغير أسلوبك (الذي لم يثمر)، وقد لفت القرآن انتباهنا إلى ضرورة تغيير الوسائل الدعوية، فقال تعالى على لسان نبي الله نوح عليه السلام: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} [نوح: 5- 20]، وقد أعجبني رد فضيلة الشيخ الدكتور ناصر بن سلمان العمر على سؤال بشأن وسائل الدعوة، وهل هي وقفية أم اجتهادية؟، فأوضح فضيلته أنها اجتهادية ما دامت مشروعة.
3- ابدئي عهدًا جديدًا معه: وضعي نصب عينيكِ ما رواه سهل بن سعد رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعليّ رضي الله عنه: «فوالله لأن يهدي اللَّه بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم». متفق عَلَيهِ، وأنصحك أن تجددي النية لله عز وجل، أن تتحلي بالصبر، وأن تتسلحي بالحكمة، وأن تحتسبي ما يصيبك (من قول أو فعل) في سبيل الله، وثقي بأن القلوب (كلها) بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وأن الهداية أقرب إلى أحدنا من شراك نعله، فتوكلي على الله، وثقي به سبحانه.
4- خذي بالأسباب المشروعة: وهي كثيرة، أولها أن تجلسي مع أمك، وأن تطلبي منها أن تدعو له بالهداية، وألا تدعو عليه مطلقًا بالشقاء، وأن تبتسم في وجه، وألا تظهر له أنها تكرهه، حتى لا تعين الشيطان عليه بيأسه، والجئي إلى بعض أصدقائه أو زملائه أو جيرانه ممن تثقين في صلاحهم وتقواهم، فتطلبي منه بعد الله عز وجل المساعدة، وأن يهتموا به، ويكثروا من زيارته وصحبته، وأن يصحبونه معهم (بذكاء ولطف) في نشاطات دينية محببة للنفس، كالرحلات أو المخيمات، فإنه إن صاحب الأخيار الأتقياء تخلى وتحلى.
وختامًا نسأل الله تعالى أن يوفقكِ في مهتمكِ، وأن يجعلك سببًا في هدايته، وأن يعينكِ بمدد من عنده، وأن يرده إلى صوابه ورشده ودينه ردًا جميلا، وأن يصرف عنه معصيته، وأن يرزقه رضاه والجنة، وأن يعيذه من سخطه والنار، وأن يهدينا وإياه إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنه شياطين الإنس والجن، إنه سبحانه خير مأمول وأفضل مسئول.
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الكاتب: همام عبدالمعبود.
المصدر: موقع المسلم.